سامح فرج يكتب.. «ثقافة الكراهية»
بيزنس لايفحاولت مرارًا أن أبحث عن أسباب لتأخرنا وفقدان بوصلة الحضارة وتزيلنا ركب الأمم لقرون بعد أن قدنا العالم لدهور.
فتشت بين طيات الدين والسياسة، فلم أجد سوي دعوات للإصلاح دينية كانت أو سياسية، حاولت جاهدًا أن أقنع نفسي بأن هذا الإصلاح سيكون حلًا سحريًا لأزمتنا فهو الجواد المجنح الذي سنمتطيه لنجتاز بحورًا وجبالًا تفصلنا عن ركب الحضارة، لكنني وبعد طول تفكير لم أقتنع، فحتي فهمنا الخاطئ للدين وما عانيناه من مشاكل وفساد سياسي لسنوات طويلة ليس هما المشكلة الاساسية ولكنهما إنعكاس طبيعي لما نعانيه من عيوب إجتماعية وأخلاقية أصبحت بعد مرور الزمن أشبه بالجينات نتوارثها عبر الاجيال.
أصبحنا مجتمعًا يعيش ثقافة الكراهية، ننفق الكثير من الجهد والوقت في كراهية الأخر، تستنزفنا نظريات المؤامرة، نتلفت كثيرًا حذرًا من عدو لا وجود له، نبني حول أنفسنا المتاريس خوفًا من الأخر بينما يسير الجميع إلي الأمام، فقدنا بوصلة الحب وقبول الأخر التي تدعو للتعاون والتسامح وتدفع العالم نحو التقدم.
تاريخنا رغم عظمته وكثرة تفاخرنا به وبأمجاد الأجداد لم نتعلم منه سوي العنف وثقافة الكراهية التي نرسخها في الاجيال منذ الطفولة.
هذه كتب التاريخ نقدمها لأطفال المدارس وجبة دسمة تحرض علي الكراهية فهي لا تتذكر من حضارتنا الفرعونية التي تضرب في جذور التاريخ سوي كيف إتسعت الامبراطورية المصرية وماذا فعل تحتمس في أعداءه وكيف سحق رمسيس الحيثيين ومشاهد أسراه منكسي الرؤوس بينما مررنا دون أن نلتفت لإبداعات الفنان المصري القديم تلك التي نقشها علي جدران معابده لتكون رمزًا للرقي والحضارة، لم نتعلم شيئًا من قوانين "ماعت" إلهة الحق والعدل ولم نتذكر سوي "سخمت" إلهة الحرب، نسينا اننا حضارة قامت علي الحق والعدل، لم يعلمونا في كتب التاريخ أن أوزوريس كان يزن القلوب مقابل ريشة "ماعت" قبل دخول العالم الأخر وان الحب في مصرنا القديمة كان ينتصر في النهاية علي الكراهية، لم يتوقفوا دقيقة أمام رسائل الفلاح الفصيح التي كانت رمزًا للدفاع عن الحق والعدل.
وفي تاريخنا الاسلامي لم نتذكر سوي معاركنا وفتوحاتنا وبطولة أجدادنا وبسالتهم في المعارك وكيف أن البطل منهم كان يقتل بسيفة مائة رجل
فكانت الاسماء العربية ما بين "سيف الدين" و"سيف الله" و"سيف الحق" فواجهنا إتهامات نشر دين الله بحد السيف.
نسينا فتوحات الكلمة الطيبة التي وصلت إلي أبعد ماوصل إليه السيف فنشرت الإسلام في أسيا وأفريقيا، فهؤلاء تجار لم يحملوا درعًا أو سيفًا نشروا الدين بالحب والتسامح دون قطرة دم ليتصدوا لطوابير أعداء الدين الذين وجهوا سهامهم إليه.
في مجتمعاتنا علمونا أن الرزق محدود وعلينا أن نقاتل من أجل الحصول عليه فتقاتلنا، علمونا أن نتحايل ونتامر ففعلنا ونسينا الحب والتعاون وكل تعاليم الأديان ومبادئ الإنسانية.
لم يعلمونا أن نبحث بين سواد الليل عن خيوط النهار، تفننوا في أن يجعلوا من حامل المصباح عدوا يحمل بين طياته نوايا حبيثة، فهو يستخدم مصباحه ليتحسس مواطن الضعف فينا ويسدد سهامه نحو ديننا وعاداتنا وتقاليدنا العظيمة.
لست ممن يعولون علي إصلاح خطاب ديني وان كان مهمًا، ولا ممن يبحثون علي عن ديمقراطية قبل صفاء القلوب وإصلاح الأخلاق، علينا أن نثق أن نهضتنا تأتي بنشر ثقافة الحب وقبول الاخر وأن ننزع الكراهية من قلوبنا، فهذه أولي خطوات النهضة، ولنبحث دائمًا في تاريخنا وحضارتنا عن جوانب الخير وأيات الحب.